السبت، 12 يونيو 2010

رجل من هؤلاء 2

رجل من هؤلاء

حالة من الانهيار واليأس تعم بلدتي .. نظرات من الأسي في عيون الناس تتحول إلي نظرات غضب واستهجان ، حين يظهر رجل يرتدي زي رجال الجيش.

هذه هي نظرات الناس لى,حتى أهلى كانوا ينظرون لي وكأني جلبت لهم العار ، أو ارتكبت شيئاً مشيناً ..

ولكني لم أخطئ .. لقد كنت أنفذ الأوامر ..

قالوا هاجموا فهاجمت ، قالوا انسحبوا فانسحبت ..

اللعنة متى سأعود إلي كتيبتي .. هذا إذا ما كانت تزال موجودة ..وهذا هو ماعلمته بعد فتره قصيرة . إذ استدعوني للعودة للجيش ..

لم يودعني أهلي بحرارة, تماماً كما لم يستقبلوني بحرارة. في الواقع لقد استقبلوني ، كمن يستقبل ضيفاً ثقيلاً وحين ودعوني, ودعوني وكأنهم يودعون هذا الضيف الثقيل. علي أيه حال لقد ابتعدت عنهم هرباً من الصدام معهم ..

أنا أعلم جيداً أنهم لا يكرهوني ، ولكنهم يحلموننى مسئولية ما حدث ..

عموماً وصلت الكتيبة وكانت وجوه جديدة كثيرة قد جاءت تعويضاً عمن قتل في حرب 67

لقد أسموها النكسة .. وقالوا الكثير من الكلام كان منها أننا لم نهزم ..

لقد كنت هناك .. وبالتأكيد ما حدث أمامي هو الهزيمة . وعلينا أن نواجه الأمر الواقع ، وهذا هو ما كان حال الجيش عليه ، لم يلتفتوا لكلام أحد ..

لا من قال أنها هزيمة ولا من قال أنها نكسة .. بل كان هناك رأي آخر ..

الحرب لم تنتهي بعد ..

هناك جولة أخرى ..

وبدأت الاستعدادات لهذه الجولة .. وكانت الأوامر الصادرة, هي أننا في مرحلة الصمود فإن هاجمنا الأعداء فلن نرد عليهم .. إن الطلقات لا تنمو فوق الأشجار.. إنها باهظة الثمن، ويجب إطلاقها بحساب، كما أننا نريد إعادة ترتيب صفوفنا، وعدم المجازفة حتى لا نفقد ما تبقي من أسلحتنا, وبدأنا في شراء معدات جديدة.معدات حديثة لم أرها من قبل ....

في احد التدريبات بين الأسلحة المشتركة، رأيت دبابات جديدة قالوا أنها سوفيتية وأنها ليست أفضل ما وصلت إليه ترسانتهم ، وأن أمريكا تمد إسرائيل بأخر ما توصلت إليه, بينما يمدنا السوفيت بمعدات قديمة. ولكن كان لي رأي آخر ، فأكبر مورد سلاح للجيش المصري هو الشعب المصري ، إن الجنود هم أقوي سلاح في جيشنا, وتكفينا معدات متخلفة قليلاً كي نقاتل بها معدات أكثر تقدماً,إننا قادرون على استخدام هذه الأسلحة كأحسن ما يكون, خاصة وان القيادة العامة بدأت في ضم حملة الشهادات العليا إلي الجيش .. هؤلاء المستجدون تعلموا كيفية استخدام السلاح بسرعة قياسية وبأداء مذهل, وهذا هو ما ظهر خلال مرحلة الصمود إذ قمنا بعدة هجمات بالمدفعية ، وأغرقنا المدمرة إيلات مفخرة الأسطول الإسرائيلي ، أغرقناها في عرض البحر بلنش صواريخ بسيط ، تفوق تكنولوجيا إيلات المتطورة, وهذا هو ما جعل الحماسة تدب قليلاً في عروق الشعب المصري، وتجعل الجميع يوقن بأن الأمر لم ينتهي ..

وهذا ما لمسته حين عدت مرة أخرى في إجازة. اختفت الكلمات السليطة التي كان يقولها الشعب للجنود ، لتحل محلها كلمات مثل

* * *

ربنا معاك يابني .

قالها أبي وهو يودعني وأنا ذاهب لكتيبتي في احدي المرات, لقد انتهت مرحلة الصمود وبدأت مرحلة الردع... بدأت حرب الاستنزاف ..

أخيراً سننتقم منهم أخيراً سنذيقهم الويل ... أخيراً سنجعلهم يفهمون أن البقاء على أرضنا ليس بالشيء الرخيص. هناك ثمن وثمن باهظ لذلك ..

كم من مرة قذفناهم بالمدفعية والطيران ، كم من طائرة أسقطت بدئاً من أسبوع تساقط الفانتوم .. دمرنا ميناء إيلات والعديد من النقط الحصينة. عبر جنودنا ليلاً ودمروا مواقع العدو وحصلوا على أسري منهم. الآن لم أعد أتحدث وأنا أطلق اللعنات ..

الآن أصبحت معتز بأنني جندي مصري ..

الآن أصبح الشعب ينظر لنا باعتبار أننا من سيقوم بتحريره ..

إننا أمله الوحيد بعد الله عز وجل ..

وحان الوقت لأثبت ذلك .. إنني أستعد أنا ورفاقي للعبور شرقاً ..

نعم سنعبر ليلاً باستخدام قارب واحد .. دون تمهيد نيراني .. وفي ليلة مقمرة ، مع أن المفروض هو العكس ..

ولكنهم قالوا لنا أن العدو يأخذ حذره في مثل هذه الليالي, ويستعد للقائنا إذا حدث تمهيد نيراني, لذا سنهاجم في حين لا يتوقعون.

وعبرنا شرقاً وتسلقنا الساتر الترابي, ومن فوقه اتخذنا سواتر لنراقب النقط الحصينة. بالتأكيد هناك حقول ألغام ولكننا سنتفاداها حتماً .وذلك بطريقة مبتكرة.

اتخذ كل منا مكانه وبدأنا في إطلاق النار عشوائياً على الموقع, فانتبه جنود العدو ، وتراشقوا معنا من خلال مواقعهم ، أما رجال العدو الواقفين للمراقبة, فأسرعوا بالعدو إلي داخل الموقع ، وهناك حان دورنا .

لقد رأينا كيف دخلوا وطبعاً هذا الطريق خالي من الألغام, فانقسمنا لفريقين ..

فريق كبير اشتبك مع العدو وفريق صغير تسلل لذلك الطريق. وكنت منهم ولي الشرف .. تسللنا حتى اقتربنا من الموقع ، وأخرج كلاً منا قنبلة يدوية ، وألقاها داخل الموقع فانفجر الحصن من الداخل, فاقتحمناه ونحن نطلق النار في كل اتجاه, واندفع باقي زملائنا لداخل الموقع, من نفس الطريق الذي سلكناه ، ولم تمض دقائق إلا وقد صرعنا كل من في الموقع، ولكن الأمر لم ينتهي بعد .. هناك ما هو أكثر إثارة. أمامنا عمل طويل طوال الليل حتى تأتي الإمدادات للموقع مع خيوط الفجر, ووقتها سيبدأ الاحتفال. إن العدو معتاد على ذلك. نحتل الموقع ليلاً ثم تأتي الإمدادات وتطردنا فجراً أو تنقذ الأسري ، ولكن هذه المرة ستختلف ... حتما ستختلف . .

لقد زرعنا المتفجرات التي عثرنا عليها داخل الموقع بعناية ، ثم وجهنا عدة رشاشات ثقيلة إلي مواجهة الطريق الذي ستأتي منه الإمدادات وربطنا أزندة الرشاشات بحبال, وربطنا كل حبل بطوبة وألقيناهم بقوة ، فخرجوا من حقول الألغام, ثم انسحبنا إلي مواقعنا خلف الساتر الترابي ، وحين جاءت الإمدادات جذبنا الحبال فانطلقت الرشاشات تطلق نيرانها على الأرتال العسكرية ، فأطلقت هي نيرانها نحو الموقع بكثافة.وهنا حان دورنا ، فأشعلنا المتفجرات التي ربطناها بدائرة كهربية. فانفجرالموقع بقوه. وهنا حان وقت العودة ، فتسللنا مستغلين ذهولهم مما حدث ، قد يقول بعضكم لماذا لم نفجره قبل أن يأتوا. والإجابة هي أنني قلت لكم أننا في حفلة. فلماذا لا نشرك معنا أصدقائنا اليهود . ولكن بطريقتنا وبشروطنا .

بالتأكيد سيحصلون على عقاب. لن يصدق أحد من قادتهم أن الموقع انفجر بديناميت.لن يصدقوا شيئا بخلاف أن قواتهم استعجلت, ودمرت الموقع الذي كلفهم أموالاً دون أن يحاولوا الحفاظ عليه . بل والأدهي أن الجنود المصريين هربوا .. والآن ألازلتم ترون أنه كان علينا ترك هذا الاحتفال. لا أظن ذلك.

ولكن شيئاً أخر بدأت أشعر به بعد هذه العملية. إن وقت التحرير قد حان وأن هزيمة الإسرائيليين ليست بهذه الصعوبة.

هيثم عبد الغفار

ليست هناك تعليقات: