اللعنة
استيقظ من نومه كعادته مع أذان الفجر يشق سكون الليل ، فتوضأ وذهب ليصلى فى المسجد القريب ، وبعد الصلاة وأذكارها أقبل الناس يسئلونه فى بعض ما يشغلهم من الأمور ، فهو عندهم موثوق برأيه وإن لم يكن يعلم فهو يسأل من أجلهم ويأتيهم بالجواب ، كما أنه يستقبل أسئلتهم دوما بصدر رحب وابتسامة هادئة مطمئنة يحبونه كثيرا لأجلها .
وما أن بدا شروق الشمس فى الأفق حتى قام عائدا الى المنزل مارا فى طريقه بالمحلات لشراء لوازم الإفطار ، وأيقظ أباه وإخوته ليذهب كل منهم فى طرقه ، وبعد أن قبل رأس أمه ولبى لإخوته ما طلبوه من أمور مختلفة غادر المنزل مصحوبا بدعوات والديه له .
وعند وصوله إلى مقر العمل وجد أحد العاملين يجرى نحوه ويخبره لاهثا أن المدير يطلبه فور وصوله لإمر هام ، ولدى ذهابه إليه والقاء التحية وجد أن المدير يدفع إليه بأحد الملفات طالبا منه العمل على إتمام التعاقد الموجود به بسرعة .
وهنا سأله متعجبا ومخبرا إياه بأن لديه بالفعل العديد من الأمور التى عليه أن يقوم بها بينما العديد من زملائه يجلسون بدون عمل يذكر ، فأجابه بأنه فى النهاية يؤدى عمله على أكمل وجه أما زملائه فكثيرا ما تكون هناك أخطاء فلماذا المخاطرة بضياع الوقت ، ثم صاح متذمرا ومنهيا الحوار : هيا هيا فلا وقت لدى اذهب وأد عملك .
فغادره وهو يتنهد فى قوة متعجبا من منطق من حوله ، وذهب إلى مكتبه وهو يلقى على الجميع تحية الصباح بابتسامته الهادئة ، وجلس ينهى ما أمامه من أوراق وأذنه تسمع الكثير من الأحاديث السخيفة المكررة التى يتبادلها زملائه فى المكتب ، وحين انتهى وقت العمل نهض محييا من تبقى منهم وغادر المكان .
ومن هناك إلى المكان الذى كان يحب يوما التواجد فيه وهو أحد قصور الثقافة ، وبعد أن دخل وأنهى بعض الأمور فوجىء بزميل له يشير إليه من بعيد ويصيح به أن يأتى إليه باشارات متسارعة فهم منها أنه يريده لأمر عاجل ، وعندما لبى نداءه وجده يقدمه إلى شخص مهذب يقف بجواره ويربت على على كتفيه قائلا : أنه من كنت أحدثك عنه منذ قليل .
وعنما نظر إليهما متسائلا قال له صديقه وهو ينهض ويستعد للإنصراف : لقد رشحناك لتنظم معه أحد المؤتمرات وبالطبع موافقتك مضمونه لأنك أفضل من يدير تلك الأمور ، ثم صاح متعجلا : إلى اللقاء واتصلوا بى إن احتجتم إلى أى شىء . وظل ينظر إليه حتى ابتعد ثم التفت إلى الرجل فوجده ينظر إليه منتظرا أن يبدأ الحديث ، فعاجله سائلا إياه عن المؤتمر الذى كانا يتحدثان عنه ، فأجابه الرجل وظلا يتحدثان ويرتبان الأمور ويوزعان الأدوار إلى أن افترقا وقد اتفقا على كيفية إدارة الأمر بينهما .
وما أن انصرف من هناك حتى عرج على النادى لكى يرى ما وصلت إليه الأمور وليتابع تدريب فريقه ، وبينما هو يراقب أداء اللاعبين والمدربين الشبان ، وجد مدير النشاط الرياضى يجلس بجواره وهو يلهث كعادته من فرط البدانه ، ووضع يده على كتفه محييا إياه وقائلا : أين أنت ؟ قد سألنا عنك كثيرا فلم نجدك .
فرد عليه قائلا : ولكننى وصلت فى موعدى ولم أتأخر فما الذى حدث ؟
ففاجأه هذا بإخباره أنه قد تم الإتفاق على عقد عدد من اللقاءات بينهم وبين عدد من النوادى الأخرى . فقاطعه قائلا : ولم لم يخبرنى أحد قبل أخذ القرار ليرى هل نحن مستعدين أم لا ؟
فقال المسئول : أن الإجتماع تم فى الصباح وأنه لم يكن موجودا كما أن اللاعبين دائما ما يعودون بنتائج جميلة فلماذا الخوف ؟ قم أنت فقط باختيار العناصر المناسبة وتدريبهم بنفسك ليطمئنوا ، ولتأتوا بنتائج إيجابية يحتاج إليها النادى فى تلك المرحلة .
وعندما هم بالإعتراض عاجله قائلا : هيا فالكل ينتظر ويعتمد عليك فى ذلك ، فأنت تصلح دوما لتلك الأمور ، وتركه وانصرف .
وهنا نظر إلى اللاعبين فوجدهم ينظرون إليه فى ترقب منتظرين لقراره ، فابتسم لهم مطمئنا وأشار إليهم أن يتجمعوا حوله ليضعوا خطة تدريب تناسب المرحلة الجديدة .
وعندما توغل المساء عاد إلى المنزل مرة أخرى ، وهناك استقبلته أمه بحنانها المعهود سائلة إياه عن يومه ، فقبل رأسها وطمئنها بأنه كان يوما جيدا ، ودعاها إلى أن تذهب وتستريح ، وذهب هو إلى غرفته بعد تناوله العشاء ، وهناك خلع عن وجهه قناعه وزالت ابتسامته ، وظهر على وجهه الإرهاق ، وجلس إلى أوراقه وبدأ فى الكتابه " إلى من قد يقرأ تلك الكلمات يوما ، لك عندى نصيحة اكتسبتها من السنين
- لا تكن ذكيا وإن كنت فتظاهر بالعكس
- لا تكن نشيطا وإن كنت لا تجعل من حولك يشعرون بذلك
- لا تكن سعيدا وإن كنت تحدث دوما عن أحزانك
- لا تكن صادقا وإن كنت فابتعد عن الناس
- لا تكن متعاونا وإن كنت حاول تغيير نفسك
وإذا لم تجد فى نفسك الرغبة فى أن تعمل بتلك النصيحة ، فلك منى البشرى بأنك ستصبح انسانا ناجحا ، بل وناجحا للغاية ، وستجد أن الجميع ينادون بك ، والكل يحبك ، ويعتمد عليك وبعدها ....... "
وهنا اهتزت الرؤيا أمام عينيه فرفع رأسه ، ومسح دموعه التى انسالت من عينيه على الرغم منه ، ولاحت منه التفاتة إلى الساعة فوجد أنه قد تجاوز موعده ، فنهض متثاقلا إلى فراشه واضجع عليه وهو يدعوا الله كعادته بأن يكون الغد مختلفا وأن يبعد عنه اللعنه
لعنة النجاح
*****
تم النشر من قبل بتاريخ 27/11/2008