تركنا الميدان يوم 12 فبراير ، وعندما اتحدث مع الناس الآن أجد أنه قد انتشر بينهم أننا كنا مخطئين ، ولكننى أخالفهم القول فى ذلك ، فترك الميدان كان قرارا صائبا ، فالكتائب تحركت وانتصرت ، ثم جاء دور المفاوضات فليس كل الحرب معارك ، ولكن كان الخطأ قد زرع بداخلنا من قبل حتى أن نبدأ ، أننا لم نكن مستعدين لذلك ، فلا خطط ولا تصور للغد وحتى خلال الـ 18 يوم الأولى كنا نعيش يوما بيوم والقرارات لحظية بحتة مهما ادعى البعض غير ذلك ، وحين جاء النصر رجعنا وكلنا أمال رومانسية ثورية فى الغد ، وتطلعات مستقبلية رائعة ، ولكننا نسينا أننا رأس الحربة فقط وأننا عبرنا القناة ولم نحرر الأرض ، فبدأ كل يضع تصوره وكل تصور كان فى رأيي ممجوج وسخيف لسبب بسيط أنه لا ينبع من فهم لما نحن فيه وما تحقق .
لقد بدأ الجميع ( والجميع هنا تشمل الجميع من كل التيارات والأحزاب والحركات الثورية والناشطين السياسيين كما يحبون أن يسموا ) وبداية من التنحى البحث فى الكتب عن الثورات السابقة والخطوات التى تمت وما الذى حدث وكعادتناوكما تعلمنا أن نحفظ بدون فهم لسنوات طويلة لم ننتبه إلى أن الثورة كما تعلمنا قديما ( هي التغيير المفاجئ السريع بعيد الاثر في الكيان الاجتماعي لتحطيم استمرار الاحوال القائمة في المجتمع وذلك بأعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي بناءً جذرياً ) .
فالثورة هى التغييير وليس القولبة كما حاول الجميع أن يتحرك فمن نموذج 54 إلى جورجيا إلى الإشتراكية إلى الليبرالية إلى العلمانية إلى إلى إلى..............، واشتعل صراع غث قميئ لا معنى له سوى تفتيت الدولة أكثر وإلى أن يستفيد أعداء الثورة من أخطائنا وأن يستعيدوا توازنهم فى هدوء فنحن منشغلون فى إدراج تعريفات وصراعات مشتعلة على أمور لا أجد لها معنى على الإطلاق ونسينا جميعا أن بناء الدولة والنظام الإجتماعى لها لا علاقة له لا بالدستور ولا بالإنتخابات ولكن بالتطهير من الفساد ووضع النظام السليم لعمل المؤسسات ثم وضع العقد الإجتماعى للدولة ( الدستور ) ثم انتخاب المؤسسات المخلفة انتهاءا بالرئيس ليكتمل شكل الدولة ، وخسرنا الشعب ؟؟؟
وهنا كانت الخطورة الكبرى فحين انشغلنا بالصراع انتبه الشعب الذى نزل معنا فى الأيام الأخيرة ليدعم الثورة ويقول نعم للتغيير أن التغير هو للأسوأ وأنه استبدل طاغية بطغاة يتصارعونه تاركينه لمواجهة الأسوأ وغير منتبهين له ولا معيرين لكلمته معنى ، وهنا تراجع للخلف مرة أخرى وبدأ يبحث عن من يحتمى به ، كان ملاذه الأخير هو الجيش ( الذى أقف له احتراما لأنه المؤسسة الوحيدة التى استطاعت فمهت الشعب ولبت نداءه ) فقد وقفت تستمع لشكواه وتناقشه حتى اكتسبته لصفها ، وكانت الكلمة فى هذه الحالة الأولى والأخيرة للجيش لأنه ببساطة مدعوم بالشعب ، أما الثوار بطوائفهم فليذهبوا للجحيم ( وهو رأى أؤيده ) ، وأدار الجيش المرحلة بما فيها من صراعات بطريقة اختلف معه فى أغلبها وإن كنت لا ألومه كثيرا فى انتهاجها وسط كل هذا البحر من الإختلاف من التيارات الأخرى .
ومرت الأيام وتشابكت الخيوط أكثر وازدادت تعقيدا على تعقيد ولم نلبث أن وجدنا أنفسنا نندفع بدون تفكير وسط الزحام تتلاطمنا الأمواج ولا نستطيع التوقف أو التريث والتفكير لأن البداية كانت خاطئة والكارثة أننا مصرين على الاستمرار فى طريقنا دون أن يكن هناك خطة للغد أو حتى تصور لما سيكون عليه لأمر .
وبعد مرور عام اثبتنا بجدارة أننا نلدغ من نفس الجحر ألف مرة ولا نتعظ .
منذ ساعات وقفت فى الميدان فى نفس النقطة التى هتفت فيها الله أكبر بعدما عرفت النبأ الجميل ( لقد تنحى ) كان الصوت يدوى كما كتبت من قبل ، بعدما هدأ الهتاف تذكرت عبور القناة ، لقدعبرنا الخوف ووقفنا على الضفة الأخرى شامخين ، ننظر للمستقبل بالفرحة ، لقد تنسمنا عبير الحرية ، وملأ صدورنا شعورنا بالنصر .
وتوالت الأيام وانتقلنا من مرحلة الرومانسية الثورية إلى صدمة الواقعية ، الطريق طويل والبعد عظيم ، والفساد استشرى بدرجة عظيمة ، والصراع يشتد ، وانقسم الجميع ، البعض يجرى من أجل الكرسى والبعض اكتسب مع الوقت مهنة الناشط السياسي والبعض والبعض والبعض ......إلخ مما رأينا جميعا ولكن .......
من كل أولئك لم اغضب سوى من صنفين لأن الباقين اعتدت عن القراءة عنهم فى التاريخ وعرفناهم وتوقعناهم من البداية ، الأول هو المنادين بدماء الشهداء والقصاص لهم وكلما استعمعت إلى أغلبهم يغشانى غثيان مرعب ، فالكل يردد نفس الكلمات ومع الترديد اعتدنا الكلمات حتى تداولناها وكأنها مسلم بها ، حتى أهالى الشهداء فى أثناء الحوار معهم يقولون نفس الأقوال – المحاكمات – القصاص – الرئيس – الإعدام – العادلى – مساعدوه – دماء الشهداء – القصاص ...............إلخ .
نفس الكلمات بنفس الرتابة التى أوحى إلينا بها عبر ترديدها آلاف المرات حتى لم نعد نعقل ما يقال ، والسؤال الحيوي الذى يجب أن نجيب عليه فى هذا اليوم كى نستطيع أن نرسم خطواتنا للعام القادم لربما استطعنا خلاله أن نضع كلمة النهاية خلاله ، هل نحن مطالبون بالقصاص ؟
وقبل أن ننفعل ونشجب ونستنكر كما اعتدنا وتعلمنا خلال العام المنصرم لنرجع بالذاكرة للوراء عاما كاملا وبضعة أيام ، سقط الشهداء ، كلنا سمعنا بالخبر والبعض عايش الحدث ، ولم نتوقف للحظات كى نسأل أنفسنا ، لم صمدوا إلى النهاية ؟ لم لم يتراجعوا قبل أن ينالوا الشهادة ؟؟؟؟؟؟
ربما نخف الإجابة ، لقد عاش هؤلاء من أجل حلمهم وحاربوا من أجل تحقيقه حتى اللحظة الأخيرة ، والقصاص لهم لا يأتى إلا بأحد أمرين :
الأول : أن نعيش حلمهم ونسعى فى تنفيذه ونحارب من أجله ولكن ....... ، هل نعلم أحلامهم حقا ؟ ؟؟؟؟؟
فالحلم يظل بداخلنا مهما تحدثنا عنه لا يعلم تفاصيله الكاملة أحد ، كما أنه لا أحد يحارب من أجل أحد إلى النهاية مع الوقت سيصيبنا الفتور وسنمل ونتراجع رويدا حتى نفقد الحلم .
الثانى : أن نتعلم منهم ونعيش حلمنا الخاص ونحارب من أجله إلى النهاية فإما أن يتحقق أو نموت من أجله ، أما أ نتراجع وننسى ونترك الحلم يضيع منا فهذا يعنى أننا لم نتعلم شيئا من تضحيتهم .
الصنف الثانى الذى غضبت منه ولأجله هذا الذى إما أنه كان يحارب من قبل فى المعارك المحدود مع النظام وفوجىء بالحرب المفتوحة وداخله احساس أن الأحداث أكبر منه وأنه لا يستطيع أن يواصل على الدرب لأن الظروف تغيرت وجسامة الحدث تعاظمت ، وإما أن يكون مقاتلا جديدا لم يعهد تكتيكات المعارك ولا النفس الطويل فى طلب الحق من نظام تشعب فساده حتى استشرى وهو يستعجل النصر ، ولهم أقول اثبتوا فوالله لقد وعدنا من خير الخلق أن النصر مع الصبر ، وجاء فى أفضل الكتب وأصدقها أن الله تعال ل يضيع أجر من أحسن عملا .
لنعش حلمنا ولندافع عنه حتى النهاية ، فإما نصر وإما شهادة ندعوا الله تعالى أن تفيق من بعدنا أن يعيشوا حلمهم وأن يقاتلوا من أجله .
دخل عمر بن الخطاب يوما على أبى حذيفة ابن اليمان فسأله كيف أصبحت يا أبا حذيفة قال أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق وأصلى من غير وضوء ولى فى الأرض ما ليس لله فى السماء فتعجب عمر بن الخطاب من هذه الإجابة وذهب إلى على بن أبى طالب وقص عليه هذا الحوار وقال له على أن أبا حذيفة صادق فيما حدثك به قال وكيف ذلك يا على قال يقول لك أنه يحب الفتنة يعنى يحب المال والمال فتنة أما قرأت قول الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة ويكره الحق أى الموت والموت حق ويصلى من غير وضوء يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل الصلاة على رسول الله تحتاج إلى وضوء وله فى الارض ما ليس لله فى السماء له فى الارض زوجة وولد وليس لله زوجة ولا ولد