عن الرحيل
لا أدرى كيف تراءى لى أن أكتب إليك فأنت
تعلمين أن ما بقلبى لا تصوغه الكلمات ، ولكن ربما هى محاولة للخروج مما تعملين .
لقد رحلت . وفى الغالب ستكون بجوارك الآن
وعلى وجهها الإبتسامة الأخبث على الإطلاق كعادتها ، تتهامسان عن تلك الأيام
الراحلة ، ربما تتآمران من جديد ضدى ، وربما تلقى على مسامعك كل ما تحاورنا فيه
سين طوال ، ربما الكثير غير ذلك . ما أثق به أنها سعيدة وأنكم حيث يتمنى الجميع أن
تكون محطته الأخيرة ولا أزكى على الله أحدا .
أعلم أنك ستتفهمين عدم دهشتى من رحيلها ، فقد
كنت أتوقعه بما يقرب اليقين ، فعلى الرغم من من أننا كنا نترقب من يمضى أولا للحاق
بكم ومن يبقى ، وأننا ظللنا نتحدث عنكم وعن رسائل لكم يحملها من يسبق فى الرحيل ،
إلا أننى كنت أعرف أنها من سيبلغكم شوقى إليكم وترقبى للقائكم ، لأن قانون الحياة
القديم سيظل شامخا ( الجيد يذهب والسئ يبقى ) ولا أعتقد أن هناك من هو قادر على أن
يخبر عن هذا القانون أكثر منى بعدما صحبتكم جميعا فى رحلتكم الأخيرة ، بل وآخرين
غيركم .
لكن ما زلزل كيانى وكاد يفقدنى تماسكى هو
توقيت الرحيل وهو كما تعلمين الأسوأ على الإطلاق . ولكننى تماسكت وأعاننى الله
تعالى على الثبات رغم عظم المصاب ، من أجل جوهرتهما التى تركاها فى رعايتى ، والتى
حزنت كثيرا أننى لم أستطع السفر إليها سريعا وقت أن رحلا عنها ، ولكننى كنت فى
استقبالها حين عودتها ، ولن أنس مطلقا الدفء الذى غمرنى فور أن جرت على مسرعة
وأرتمت فى أحضانى ، خيل إلى فى تلك اللحظة أننى أحتضنهما وأحتضنك وأحتضن جميع
الراحلين ، أحسست بكم من حولى ، وجدت على جبهتى أناملك الحانية تمسح عنى من جديد
إرهاق السنين وتحط عن كاهلى كل ما أنوء بحمله ، وجدت عيناك تغرقاننى فى بحر من
السكينة بعيدا عن كل متاعب الحياة ، وجدت روحك النقية تربت على كتفى لتمنحنى
الأمان ، انطلقت منى ضحكة صافية عالية رغم سيل الدموع فى عينى ، واحتضنتها بشدة
وقبلتها وكلى شوق لهما ، وحملتها على كتفى مثلما كنت أفعل فى زياراتى لهم
ومضيت أجول بها طرق الحياة ، وأحمد الله
أن منحنى الثبات كى أبث فى قلبها الفرحة وأمحوا عنها حزن فراقهما .