الاثنين، 8 فبراير 2010

رحلة مغامر


الأزهرى فى أرض الله

من العجائب التى كنت أراها فى القطار عندما كنت صغيرا وتعودت عليها مع مرور الزمن هى السيدات الكبيرات فى السن وهن يركبن القطار من بلد إلى آخر حاملين ما يزيد على ضعف وزنهن من الأغذية فى الأغلب ذاهبين إلى بيعه فى هذا السوق أو ذاك أو عائدين محملين ببضائع اخرى لبيعها فى بلدهن غير عابئات بما يقال من من النسوة الصغيرات من عدم توافر فرص العمل أو نظريات الكدح من أجل مستقبل أفضل وكل ذلك الهراء الذى يستهلك أوراقا وأحبارا ومصارف للمؤتمرات لو تم صرفها عليهن لتغير الحال إلى حال أفضل كثيرا مما هن عليه .
تذكرت تلك الأمور عندما كنت فى القطار وحاولت التحرك فيه على الرغم من الزحام ، فقد فوجئت بسيده ربما هى فى الخمسين أو الثمانين ، فلا يمكن القول بعمرها الحقيقي بسبب ندوب الزمن على وجهها والتى تجعلك تقدرها هى ومثيلاتها يضعف العمر أو أكثر لما عانينه من تعب ومشقه والغريب الذى سمرنى لدى رؤيتها هو أنها لم تكن ممن تكلمت عنهن فلم يكن معها بضائع ، كما لم تبد كمسافره لأنها تجلس فى الركن خلف باب القطار المغلق ناهيك عن أنه قطار منتصف الليل الذى لا يوجد به عادة مثل تلك النساء ، وتوقفت عندها متأملا ( محاذرا أن تشعر بى بالطبع كى لا أسبب لها إحراجا ) ولكن المدهش أنها لم تشعر بى من الأساس ولا بأى شىء حولها بل ظلت فى شرودها الكامل ما يزيد عن ثلث الساعة ، دون أن تحرك ساكنا أو حتى تنام . وذكرنى شرودها هذا بجدة لى ( زوجة عم والدى للدقة ) كانت تقارب الثمانين عندما كنت أنا فى العاشرة ولكنها كانت تجلس بنفس الشرود الذى يجعلك تشعر انها فى عالم آخر غير الذى نعيشه ، وعندماكانت تفيق غالبا ما كانت تكون غاضبة ، لأنها لا تفيق إلا إذا تذكرت أمرا ما لا بد من عمله فى المنزل وكانت تصيح على الفتيات الصغيرات كى ينجزنه وتزجرهن لأنه لم يتم بعد ثم تبدأ فى لعن الجيل بأكمله ، وكان أحب رؤيتها تفعل ذلك ، ومع مرور الوقت وبعد عدة سنوات كنت عندها وسألتها ضاحكل لم تلعن الجيل كله ولم هذه الثورة على تلك الفتيات ، ولمحت السخرية فى أعين بنات أعمامى لأنه من الواضح أنه حديث مكرر ، ولكننى انتبهت لما ستقول بجوارحى ، فبدأت الكلام والحزن يكسو وجهها بدرجة لا يمكن وصفها قائلة : شوف يا ابن الغالى ، زمان على أيامى كان ت الناس ناس ناس وكان لا يمكن اب أو ابن يفرطوا فى بعض بس كانت الأصول أصول ، وكان الإبن عارف إنه بعد ما أهله يساعدوه فى الجواز وفى الأعم كان بيتجوز فى البيت بعد ما يحبكوا له أوضتين فى آخر البيت أو فوقه بدل بيت الحمام ، وغنه لازم ولا بد بعد سنه ، اتنين ، أرعه بكتيره يبقى كون نفسه وعرف يجيب قرشين على دهب مراته ويشترى أرض يبنيها وتبقى بيت له ولعياله من بعده ، أولو كان الولد الكبير يبقى معاه يشترى بيت لإخواته يتجوزوا فيه ويتستروا ، ويبقى البيت الكبير بعدها له مرسى لإخواته البنات ومكان يتجمع فيه الكل مفتوح لهم طول السنه ما يحش الواحد منهم عنه حد ، وجمراته عارفه كده وكتربيه على أحواله دى وعامله حسابها إنها تكافح معاه ويوم مع يوم تقف جنبه والقرش على القرش يكبر ويصير مال لحد ما يوصلوا لبيتهم ولوالبت نوره ( بكسر النون ) يمكن يبقى عندهم طين ويزرعوا والخير يزيد عندهم وأبوهم وأمهم بيربوهم على كده ولازم الكلام يتنفذ ولو الولد مشى مش مظبوط يبقى مهدد بالطرد من البيت من غير لا مأوى ولا بيت يلمه .
إنما الأيام دى يا ابنى الخير شح والأرض بارت والنفوس شالت ، وبقى كل واحد فى وادى ، والشباب عايزة تتجوز وتقعد جنب حريمهم لا أرض يوالوها ولا رزق يسعوا وراه ، الجدع يشتغل يومين يجيب فيهم اللى قسمه ربنا ويقعد عليهم لما ينتهوا ، نسيوا يعنى إيه عرق وشقى ، وضاع القرش الأبيض وصبحت الأيام كلها سودة فى وشهم ، وبقى الواد من دول يفضل عشر سنين فى بيت أبوه ولما إخواته يبقوا عازين يتجوزوا يدور يتسلف هنا وهنا ولو بالفايظ ( الربا ) وشويتين والسلايف يدبوا فى بعض والرجاله ياكلوا بعض علشان النسوان ولا بقى فى كبير ولا نيله وشويتين والبيت الكبير يتباع بتراب الفلوس لجل المشاكل تنفض وكل واحد ياخد قرشين ولا ليهم عازه ويسكن عند الغريب ويبقى حياته تحت ضرسه وحرمة بيته منهوكه ، والحال لا يسر عدو ولا حبيب ، ولو قلت الكلام ده للواد ولا البت يضحكوا ويقولوا دا كان زمان ، لا هو عارف يلم بيته ولا البت عارفه حاجه غير إنها تكون عايقه وتصرف وتتفنجر على قفا المنيل من غير حساب للزمن ، ولا هم طايلين زمان ولا خير زمان وفاكرينه كان بييجى بالساهل ، من غير لا تعب ولا شقى ولا ناس ماتت فى إيدها الفاس أو وقعوا من على النخل وهم بيقلموه لأجل كام مليم يقضوا بيه يومهم ، والفلاح كان يبات همه على أرضه ويحلم بيها ويفكر إزاى يداوى مرضها ويراعيها لأجل ما تديله خيرها ، عارف يا ابن الغالى كان سيدك ........( جدى) صاحب أحسن زرعه فى الناحيه وكان بيدي الكل منها ويطعم القريب قبل الغريب ومع ذلك يتفضل من الخير كتير ، وكان أهل البلد يسألوه مستغربين إشمعنى أرضك بتدى كل ده ، كان يضحك ويقول الشمس لو طلعت على الفلاح وهو بره أرضه عمرها ما تديها خيره ، شوف بقى ولاد إعمامك الكحلاوى ولا رجب ولا غيرهم ، ولا حتى أبهاتهم ، بقوا بيسهروا قدام المخروب لوش الفجر ( التليفزيون ) ولا القهاوى جلابة المصايب ، وعلى ما يصحوا ويفوقوا تلاقى الشمس بقيت فى نص السما ، يعنى لا يلحقوا وقت الضحى يشتغلوا فيها ولا أى نيله ، وبعد كده طالبين الأرض تديها خيرها ، إيييه ربنا يعدى الأيام السوده دى على خير .
مش عارف ليه الذكرى بتاخدنى لبعيد ، بس بصراحه كل ما افتكر اتغم ، ما علينا طولنا هنا ، نكمل وقت تانى .

هناك 17 تعليقًا:

صبرني يارب يقول...

عندها حق
صدقنى انا شايفه ان الى احنا فيه ده سببه برضه اننا ما بنشتغلش اصلا

انا كنت كاتبه بوست اسمه وربنا لانيكم من المغرب يا مصر

ابقى شوفه

MaNoOoSh يقول...

الست دي فعلا عندها حق

وانا مقتنعة تماما ان الجيل الحالى بيستسهل ومعندوش استعدادا للشقى والمجهود الا من رحم ربي

لان بردو في بعض الاس اللى عندها اصرار وعزيمة يهدوا جبال

الازهرى يقول...

صبرنى يا رب

راجعت الموضوع وافتكرته بأمارة
(وش بيشد فى شعره وهاتنقط)


المشكلة الحقيقية إن الوضع لحالى السبب فيه الطرفين

بس لا ده عايز يعترف ويصحح الجزء الخاص بيه
ولا ده عايز يعترف ويصلح

والمركب بتغرق بالكل


تحياتى دوما

الازهرى يقول...

مانوووووووووووووووووووووووش

يا ريت البنات حفيداتها بيسمعوا كلامها ده
كل اللى طايلاه منهم السخرية ومقولة إنها مخرفة ولسلام
مع إن التيجة إن كل الجازات بتتدهور


تحياتى دوما وخالص مودتى

romansy يقول...

ولسه احنا زى ما احنا جالنا بدل الحروق التليفزيون النت والكمبيوتر والتكنولوجيا اللى طورت حياتنا ودمرتها فى نفس الوقت والله يا ازهرى جدتك كلامها صح الصح

أمل حمدي يقول...

الأيام دى يا ابنى الخير شح والأرض بارت والنفوس شالت

ماشاء الله على جدتك جابت المفيد

كل كلامها حكم

هم دول أصحاب الزمن الجميل الزمن الصح

زمن المبادئ والأصول

تقديري لك ابني الغالي

الازهرى يقول...

رومانسى

الحل دايما فى الاعتدال فى الحياة
واعطاء الأولويات
لا يوجد من لا يريد أن يفرح ويمرح
ولكن وقت العمل لابد أن يكون مقدسا

تحياتى دوما

الازهرى يقول...

ماما أمولة

زمن المبادىء والأصول هو الزمن الجميل وهذا معناه عدم اقتصاره على الزمن الماضى فقط ولكن أى زمن نستطيع فيه توفير تلك الصفات فى البشر

تحياتى وخالص مودتى

Foxology يقول...

كلام مظبوط مية ف المية وفعلا معادش فى اى طموح ولا اى امل فى انجاز اى حاجة

عليه العوض

حنين يقول...

السلام عليكم
واللهى كلام جميل وحقيقى
الناس زمان تقعد تتعلم منهم
ربنا يستر على ايامنا

غير معرف يقول...

مفيش حاجة بتفضل على حالها و كل شىء بيتغير
الطور الطبيعى للحاجة الساقعة

الجيل ده مش وحش اوى للدرجة دى بس يمكن احنا اللى مركزين على الوحش
فى كتير عاوز يشتغل ومستعد بس مشكلته انه عاوز يشغل هو اللى ينادى عليه

عايش... ولكن !!!! يقول...

جدتك عندها حق
احنا حاليا بنستهبل شويه اللى بيبقى متشدد على شىء واللى مش فى دماغه خالص

الوسطيه
اعتقد ده المفهوم اللى ناقص عند معظمنا ان لم يكن كلنا

EMMY BABY يقول...

يااااااااااربى فعلا جدتك كلامها كله حكم وان كانت بتخص بالذكر حياة الفلاح فى ارضه

بس اللى قالته ده بالظبط هو نموذج مصغر للحياة اللى احنا عايشينها

معرفشى الجيل بتاعنا ده مظلوم ولا ظالم لنفسه قبل الاخرين

جيل غريب تلاقى ناس دماغها فاضية اوووووووى لدرجة انك من جواك مستغرب ازاى فى ناس بالهيافة دى

وعلى الجانب الاخر شباب زى الفل زى بتوع زمان وعايزين يعيشوا صح

بس ياترى مين فيهم الاكتر وهل فعلا النقطة السودا بتبان فى وسط الابيض ولا الاسود غلب اووووى على الابيض لدرجة انه عمى عيونا عن الحقيقة وخلى الدنيا بقت رمادى

على فكرة بوست لذيذ اووى وعجبنى فيك تأملك اووووى

لان التامل دليل على عمق التفكير

بس صحيح ابقى كبر الخط شوية لحسن انا كنت اربط احول هههههههههه

تحياتى

ايمى

هناء محمود يقول...

أكيد جدتك عندها حق

الجيل ده أصلا كلامه المفروض ميتسمعش بس إنما يتكتب ويتبروز

صدى الصمت - عاشقة الورد - يقول...

ياااه فكرتنى بعمتى الكبيرة ال كانت مايتشبعش من قاعدتها وكلامها ال زى العسل
تحياتى لإسلوبك الشيق الممتع

rovy يقول...

أزيك يا أزهرى ..
بلغ سلامى لجدتك و قول لها عندك مليووون حق يا حاجه بس مين يسمع و مين يفهم ؟!
هو اللى وصلنا له ده من شويه .. من زرع حصد .. ده أول درس أتعلمناه ..
و مع كل الأسف نسيناه ..
تحياتى الدائمه لك

قيس بن الملووووح يقول...

نحن في حاجه الي رايك في مشاكل القراء علي مدونة"دقات قلب فوق الخمسين"