كفى ى ى ى ى ى ى
انتفض صارخا من نومه والعرق يغمره ، وفزعت
زوجته من هلعه وجذبته إلى حضنها مربتة عليه ، ومدت يدها إلى كوب الماء على الطاولة
المجاورة جاعلة إياه يرتشفه كى يهدأ وهى تحاول مساعدته عبر قراءة ما تيسر لها من
القرآن وسط قلقها الغامر عليه ، وما إن انتظمت أنفاسه حتى بادرته سائلة فى خفوت :
أهو نفس الحلم ؟
هز رأسه أن نعم ، ولم تستطع الكلمات أن تغادر
أعماقه المذعورة ، عالما أنه يكذب عليها ، كان يعرف أنها تحبه ، ولذلك اعتاد الكذب
عليها منذ زمن بعيد ، بداية من مهام عمله وحتى كوايسه التى لم تنقطع يوما وتزداد
مع مرور الوقت حدة ، حكى لها أن ذكريات الحرب تزوره وأن أطياف أصدقاءه وجنوده هى
ما يعكر صفوه ، لم يعد يذكر الكثير عن تلك الحرب البعيدة إن كان لنا أن نسميها
كذلك أصلا ، فلم يعد هناك أمر مؤكد فى هذا الزمن ، وكثيرا ما تساءل عن جدوى كل ما
حدث ما دامت النفوس تصفو والكل يتجاوز ما يحدث والمصالح تجمع الجميع .
ابتعد عن صدرها ببطئ ومد يده يربت على خدها
البض مطمئنا ، وطلب منها العودة للنوم فيما سيذهب هو لدورة المياه ثم يجلس ليدخن
سيجارة فى هدوء ثم سيعود للنوم مرة أخرى ، تقوده قدماه إلى تلك الأريكة المميزة فى
البهو فيلقى جسده عليها منهكا ، ما زالت تلك العينان تزوران أحلامه وتؤرق عليه كل حياته ، ما زال صمود ذلك الطفل يثير حنقه وغضبه ، لقد
قتل وشرد الكثيرين فى القديم ولم يهتز له جفن ، ولم يكن فى داخله يشعر أن فى الأمر
خطأ كى يؤنبه ضميره ، طبقا لقادته كان هؤلاء أعداء للوطن ، والقاعدة أن أعداء
الوطن يجب اجتثاثهم وعرق أصولهم وفروعهم كى تتقدم البلاد ولا يكونوا شوكة فى ظهر
نهضتها ، إلا تلك المرة البعيدة حين اقتحموا منزلا يأوى أسرتين للقبض على شاب منهم
. استسلم الشاب من أول وهلة وكأنه كان يعلم بقدومنا ، أو يتوقعه ، كان هدوءه مستفزا لى للغاية ، توقعت أن يصرخ مستغيثا أو
راجيا أو حتى شاجبا ولاعنا إيانا ، ولكن ذلك الهدوء لم يكن منطقيا على الإطلاق
فاقتربت منه وعويت على وجهه بضربة أطاحت بجسده الضئيل إلى ليرتطم بالحائط ويسقط
على وجهه ، و .... فقط .
لم يتحرك ثانية ، وعندما اقترب منه أحد
الضباط وجد أنه فارق الحياة ، أشرت بيدى فى عظمة آمرا أن يأخذوه إلى المشرحة بعد
كتابة المحضر بإلقاء نفسه من الشرفة هربا منا فقاده تهوره إلى حتفه . ما إن سمع أخاه الأصغر كلمتى حتى انتابته نوبة
غضب قوية فهاجمنى مباشرة فعاجله أحد مرافقى برصاصة ألحقته به ، وعندما هاج الأخرون
لما حدث كان لابد للقوة من التعامل معهم ، فهكذا يجب يكون التعامل الصحيح مع هؤلاء
المخربين .
استدرت لأخرج فلمحته يقف بعيد تحجبه ضخامة
أحد الجنود أن يراه أحد ، منكمشا فى ركن قصى ، كان ينقل بصره بين جثث أهله وبينى
فى رتابة ، كانت عيناه تحملان اتهاما صامتا بكل ما حدث ، كان يعرف ، ولم يكن بين
طيات نظرته أى حزن أو خوف ، كان خاوية تماما من أى تعبير ، تسمرت فى مكانى لا أدرى
ماذا أفعل ، شئ غامض ألم بى ،ارتجف قلبى للحظة حتى ظننت أن بداخلى رعب من نظرته
التى توقفت عندى تماما وكف حتى عن النظر إلى ذويه ، صرخت محاولا إزالة توترى سائلا
عن من يكون هذا ؟ وعنفت أحدهم ليلقيه بعيدا عن هنا حتى يتم رجال المعمل الجنائى
عملهم .
ثلاثون عاما مرت على تلك اللحظة ولا زالت
نظرة ذلك الطفل توقظه فى رعب لم يجد له مثيلا طوال حياته ، لسنوات طويلة بعدها بحث
عنه ، لا يدرى ما الذى كان يريده منه ، بالتأكيد لن يطلب عفوه ، ويقينا لن يأخذه
ليربيه فهذا يجدث فى الأفلام الهابطة فقط ، ربما كان يريد أن يتخلص منه لكى يثبت
لنفسه أنه أقوى وأنه سيكون دوما المنتصر ، ربما لم ينتبه أحد ممن عرفه إلى ذلك
ولكن ذلك الطفل كان دوما نقطة ضعفه ، وعلى
الرغم من كل السلطة التى حازها ، لا يزال يرتجف كلما تذكره ، وما زال غضبه يزداد ،
أنهى سيجارته وخرج للشرفة محاولا الترويح عن نفسه ، ولكن الطبيعة تعانده فالمطر
الغزير يرده إلى الداخل فيندفع غاضبا ، لترتطم أصابع قدمه بالمقعد فيقفز صارخا
ويختل توازنه ويسقط على صادما برأسه الطرف الرخامى للمنضدة الصغيرة ، يحاول الصراخ
مناديا فلا يستطيع ، الدم يغرق وجهه منبئا عن إصابة بالغة ، الألم يغزوا جانب صدره
الأيسر منبئا عن أزمة قلبية أخرى ، تنساب
من عينيه دموع العجز ، يدرك أنها النهاية .
هناك تعليقان (2):
thx
كشف تسربات المياة
غسيل خزانات
شركة نظافة عامة
شركة شحن عفش من الرياض لمصر شركة شحن عفش من الرياض الى مصر
شركة نقل عفش شرق الرياض شركة نقل اثاث شرق الرياض
افضل شركة نقل عفش بجدة افضل شركة نقل العفش بجدة
شركة نقل عفش بالرياض رخيصة
شحن عفش من الرياض الى دبي
ارخص شركة نقل اثاث بالدمام ارخص شركة نقل عفش بالدمام
افضل شركة نقل اثاث بالرياض افضل شركات نقل اثاث بالرياض
افضل شركة نقل عفش
إرسال تعليق